سورة التوبة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


يريد به المتخلفين عنه في غزوة تبوك، بيَّنَ سبحانه أنه لو كانت المسافةُ قريبةً، والأمرُ هيِّناً لَمَا تخلَّفوا عنك؛ لأنَّ مَنْ كان غيرَ متحقِّقٍ في قَصْدِه كان غيرَ بالغ في جهده، يعيش على حَرْفٍ، ويتصرَّف بحرف، فإِنْ أصابه خيرٌ اطمأنَّ به وإنْ أصابَتْه فتنةٌ انقلبَ على وجهه. وقال تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} [محمد: 21].
فإذا رأيتَ المريدَ يتبعُ الرُّخَصَ ويَجْنَحُ إلى الكسل، ويتعلَّلُ بالتأويلاتِ.. فاعلَمْ أنه مُنْصَرِفٌ عن الطريق، متخلِّفٌ عن السلوك، وأنشدوا:
وكذا المَلُولُ إذا أراد قطيعةً *** مَلَّ الوصال وقال: كان وكانا
ومَنْ جَدَّ في الطلب لم يُعَرِّج في أوطان الفشل، ويواصل السير والسُّرى، ولا يحتشم من مقاساة الكدِّ والعناء، وأنشدوا:
ثم قطعتُ الليلَ في مهمهٍ *** لا أسداً أخشى ولا ذئبا
يغلبني شوقي فأطوي السُّرى *** ولم يَزَلْ ذو الشوقِ مغلوبا
قوله: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 42]: يمين المتعلِّلِ والمُتَأَوِّلِ يمينٌ فاجرةٌ تشهد بكذبها عيون الفراسة، وتنفر منها القلوب، فلا تجد من القلوب محلاً.


لم يكن منه صلى الله عليه وسلم خرْقُ حَدٍّ أو تعاطي محظورٍ، وإنما نذر منه ترك ما هو الأَوْلى. قَدَّم الله ذِكْرَ العفو على الخطاب الذي هو في صورة العتاب بقوله: {لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}.
أو مِنْ جواز الزَّلة على الأنبياء- عليهم السلام- إذ لم يكن ذلك في تبليغ أمر أو تمهيد شرع بقول قائله: أنشدوا بالعفو قبل أن وقف للعذر وكذا سُنَّة الأحباب مع الأحباب، قال قائلهم:
ما حطَّك الواشون عن رتبة *** عندي ولا ضَرَّك مُغْتَابُ
كأنهم أَثْنَوْا- ولم يعلموا- *** عليكَ عندي بالذي عابوا
ويقال حسناتُ الأعداء- وإن كان حسنات- فكالمردودة، وسيئات الأحباب- وإن كانت سيئات- فكالمغفورة:
مَنْ ذا يؤاخِذُ مَنْ يحبُّ بِذَنْبِه *** وله شفيعٌ في الفؤاد مُشَفِّع


المخلصُ في عقده غيرُ مُؤثِرٍ شيئاً على أمره، ولا يدَّخر مستطاعاً في استفراغ وُسْعِه، وبَذْلِ جُهْدِه، ومقاساة كَدِّه، واستعمال جِدِّه.

10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17